بدعوة من الرابطة الثقافية وجمعية الوفاق الثقافية اقيم لقاء حواري تحت عنوان اللامركزية في النظام السياسي اللبناني / أزمة او استقرار شارك فيها الباحث والمحلل السياسي الدكتور ايليا ايليا ومدير كلية العلوم الاجتماعية سابقا الدكتور غسان الخالد وادار الحوار الدكتورة رفيف دندشي وذلك في قاعة المؤتمرات في الرابطة الثقافية بحضور حشد من الشخصيات والناشطين وابناء المدينة
بداية بالنشيد الوطني اللبناني ثم كانت كلمة للدكتورة رفيف دندشي رحبت خلالها بالحضور وتحدثت عن مفهوم اللامركزية الذي دعا الطائف بنصه الحرفي إلى تطبيقها وهو مشروع ليس بجديد ولكنه حتى الآن يُناقش في مجلس النواب ويطالب فيه بلا مركزية موسعة بصلاحيات المناطق والواردات المالية المرتبطة فيها.
وقد أوضحت الأستاذة دندشي على أن الفيدرالية واللامركزية تتشابهان إلى حد كبير ولكن تختلفان في الجوهر وأولها هي أن التشريع وقضية الجيش والأمن في اللامركزية تبقى مرتبطة بالسلطة المركزية على عكس الفيدرالية التي تنفصل عنها. ثم كانت كلمة الدكتور ايليا ايليا قال فيها : إن اللامركزية عُرفت في لبنان ما قبل إعلان دولة لبنان الكبير عام ١٩٢٠، ففي عهد محمد باشا، أنشأ حاكم مدينة بيروت محمود بك نعمة ١٨٣٣ مجلسا أسماه( مجلس الولاية ) ضم ١٢ عضوا اختارهم من العائلات البيروتية مناصفة بين المسلمين والمسيحيين واوكل لهذا المجلس مهمة العناية بانارة المدينة ونظافتها. وفي ظل المتصرفية انشأ داوود باشا اول بلدية عرفها لبنان وهي بلدية دير القمر ومن ثم تأسست بلدية بيروت بأمر من وزير الداخلية في اسطنبول وتلتها ايام الانتداب سائر البلديات.
وفي عام ١٩٢٩ ورد في وثيقة رسمية لحكومة الرئيس” إميل إده” إن السلطة المركزية تسيطر على معظم الصلاحيات والخدمات وهناك نوع من الضعف في الإدارات الإقليمية لذلك يجب إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية. هذا وقد صدرت قوانين نظمت شؤون البلديات وآخرها المرسوم الاشتراعي رقم ١١٨/ تاريخ ٣٠ /٦/ ١٩٧٧ ومُنحت البلدية بموجبها الشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري وأصبحت تشكل نواة الإدارة المحلية اللامركزية في لبنان، وشكلت اللامركزية أحد العناوين الرئيسية للإصلاح السياسي الشامل بحسب ما طرحه كمال جنبلاط عام ١٩٤٩ وان لبنان وُجد فعلا ليكون بلد اللامركزية.
ومن ثم جاء توقيع وثيقة الوفاق الوطني ١٩٨٩ فدخل مفهوم اللامركزية حيّز الإجماع في لبنان. وبالرغم من مرور ٢٤ سنة على توقيع وثيقة الوفاق الوطني فلا يزال إصلاح اللامركزية الإدارية مدرجا في أجندة الإصلاح السياسي والإداري ولم يقترن بتطبيق تشريعي بالرغم من بروز عدة مشاريع واقتراحات القوانين التي طرحت وجرى التداول بها منذ عام ١٩٩٠. وآخر هذه المشاريع مشروع القانون الذي أعدته لجنة شُكلت بقرار صادر عن الرئيس ميقاتي عام ٢٠١٢ بالاتفاق مع الرئيس ميشال سليمان ووضعت مشروعا يقع في ١٤٧ مادة تبناه النائب سامي الجميل كاقتراح كما هو، وقدمه إلى المجلس النيابي على شكل اقتراح ما يزال قيد المناقشة منذ ٢٠١٧ (لجنة بارود).
وجرى عدة تساؤلات عن أسباب التأخير في بت إصلاح اللامركزية الإدارية؟ وهل المعوقات هي إدارية تنظيمية بحتة؟ ام هي سياسية؟
ثم أكد الدكتور اليا اليا على إن من شروط نجاح إصلاح اللامركزية الإدارية في لبنان إصلاح الإدارة العامة المركزية بشكل عام، ووضع روادع تحول دون تقصيرها في عملها على الصعيد المحلي اللامركزي أي أن نجاح الإصلاح يتطلب وجود سلطة مركزية قوية تقوم بوظائفها الأساسية مع نقل الموارد والضرائب والتمويل وبعض الخدمات مع موجب التضامن الوطني الشامل والانتماء المتوازن.
تلاه. كلمة الدكتور غسان الخالد الذي قال : أن اللامركزية المالية قد بدأ الحديث عنها في ثمانينات القرن الماضي عندما اتجه الغرب نحو الليبرالية الاقتصادية الواسعة في أعقاب موجة الخصخصة.
ومع العولمة برزت توجيهات أخرى هدفت إلى إنعاش الهويات المحلية بعدما فشلت الحكومات في تحقيق الإنماء المتوازن على صعيد الدولة.
ثمة الكثير من الدراسات التي تناولت اللامركزية إن كانت إدارية أو مالية أو سياسية، ولا يمكن الفصل بين أنواع اللامركزية وخصوصا اللامركزية الإدارية والمالية.
من المفيد الإشارة إلى أن اللامركزية المالية التي كان الهدف منها إنهاء التوتر أو خفضه بين الأقليات على أنواعها وبين الحكومة المركزية، لم تصل إلى مبتغاها ولم يتحقق الهدف منها.
واتفقت الدراسات بشكل عام على أن اللامركزية تؤدي حتما إلى الفدرلة بشكل أو بآخر، ودائما تحت شعار خفض التوتر بين الجماعات المشكلة للدولة المركزية، ومع ذلك لم تصل في التطبيق العملي إلى تحقيق هذا الهدف.
ووفقا لقراءات الدكتور غسان أن كل الدراسات التي تناولت اللامركزية المالية في الكثير من دول العالم قد أكدت على أنها جاءت وفقا لتلبية رغبات الأقليات الإثنية والدينية والعشائرية كما المذهبية الطائفية. من هنا يصبح التساؤل حول ارتباط المطالبة به مع ما يحاك من مشاريع للمنطقة بشكل عام.
وينهي حديثه بأن إذا كانت الغاية من تطبيق اللامركزية المالية هي إنهاء نزاعات الأقلية أوخفضها، فوفقا لما نلاحظه وما يجري في دول مجاورة فإن اللامركزية الإدارية والمالية ستكون عاملاً مساعداً على تزكية التوتر وليس إنهائه وعلى استمرار النزاع وليس حله، لا في لبنان ولا في غيره من الدول التي طبقت هذه اللامركزية .
